28 févr. 2008

رسالة السلطان الحسن الأول

* * *



في سنة 1299 هجرية، وجه السلطان المولى الحسن الأول العلوي كتابا إلى ولاته بالمغرب الأقصى يخبرهم عن رحلته السلطانية التي قام بها إلى القطر السوسي لتفقد أحواله وليباشر أمره بنفسه لاسيما وقد كان أهل سوس قد بعد عهدهم بإجراء الأحكام السلطانية فيما بينهم، وفيما يلي نص الكتاب الملكي بعد الافتتاح
----------------------------------
أما بعد فإنا لما نهضنا من مراكش بحول الله وقوته وسطوته الباهرة وصولته وجيوش الله المظفرة موفورة وجنوده سبحانه مقطورة وأعلامها منشورة منصورة نهضة معتمد على مولاه متقلد لما قذف في قلبه فأبداه متمسك بعروته الوثقى التي من استمسك بها بلغ مناه وانتهينا بمعونة الله لمبدأ هذه الأقطار السوسية وامتطينا صهوتها وهي ذلولا في ربوع اليمن ساعيه وبنود الله خافقة على مفارق الظفر وبذرى المجد سامية تواردت على حضرتنا العالية بالله الوفود متناسقة متتابعة وانتظمت في سلك السمع والطاعة والخدمة الجامعة فتسارعوا إلى ما إليه دعوا وتلقوه تلقي الظمآن فنهلوا وكرعوا وأوقدوا لوفود كبرائهم وأعيانهم وأشياخهم مصباحا واستضاؤوا بضياء نور الله غدوا ورواحا ومدوا أعناق الإذعان وبسطوا أيدي المسالمة والإبقاء عليهم والامتنان بعد ما كانت قد بلغت منهم القلوب الحناجر وارتعدت فرائصهم من هيبة الله ثم اطمأن البر وشرق الفاجر وانتهبت أجفان المراسم المخزنية التي عفت بعد نومتها فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها وصرفنا إليهم عنان الترتيب بعد أن وطأنا لهم كنف الترحيب فبوأنا من توسمنا فيه الأهلية للتولية على إخوانه مهادا وقلدناه أمرهم جمعا وفرادى وضربنا للكل فيها على مقتضى السياسة بمعونة الله بسهم مصيب وأرعيناه من مربع خدمتنا الشريفة المرعى الخصيب حتى وقع التمكن من أزمتهم وأجلسنا خاصتهم وعمالهم على أسرتهم فاتصلت بهم المخزنية اتصال الأرواح بالأجساد واستنارت هذه الأرجاء بنور الله استنارة عمت الحاضر والباد فأدوا من الطرف والهدايا ما فيه غنية لمن ركب متن المزايا مع كون البلاد لم تنكح بالمخزن مدة من السنين تنيف على عدد الستين ولو لم ننل من هذه الفتوح الباهرة بفضل الله إلا عشرا لكان في جنب من قدم عهده بالمخزنية كثرا ولكان ما عودنا سبحانه إلا الجميل إذ هو المتصرف الغني القاهر القوي الكفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل ثم ولينا عليهم من القضاة من فيهم الكفاية لإقامة شرائع الدين ولم نأل جهدا في انتخابهم من أمثل المقلدين علما بأن الشرع عليه المبنى وبه يعمر المغنى ويغزر الحس والمعنى ثم تطارح شرفاؤهم ومرابطوهم على أعلى جنابنا بإقرارهم على عوائدهم وإبقائهم على أعرافهم ومحاتدهم التي عندهم عليها ظهائر أسلافنا المقدسين أئمة المسلمين وأمراء المؤمنين وكذا ظهائر من غبر من الملوك المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين فانتهجنا نهجهم وسمكنا بحول الله أوجهم وساعدناهم فأقررنا وجددنا لكل ظهيره وأجريناه على ما أسس له من المجد وجعلناه نجيه وسميره وحيث كان القصد الأهم من هذه الوجهة المباركة هو حماية ذمار هؤلاء المسلمين والدفاع عن بلادهم ورقابهم وأموالهم مما طمحت إليه نفوس المؤملين وكان ملاك ذلك هو فتح المرسى بوادي نول بمحل يسمى آساكا بأرض قبيلتي تكنة وآيت باعمران إذ بفتحها يستقيم أمر الدفاع ويسهل على أهل ذلك المحل البيع والابتياع يقينا بأن سد أبواب الضرر من الأمر المحتوم وإرشاد الضال في الشرع من المقرر المعلوم تسابق القبيلتان المذكورتان اللتان تلقيتا جنابنا العالي حين عبرنا وادي والغاس وقصدنا بجيوش الله بلادهم قصد طبيب آس فتلقوا ركابنا السعيد بمحل يعرف بآمصاو قرب مرسى تسمى باكلو إذ هو الطرف الموالي لآيت باعمران المسمى بالساحل وإليه شدت هذه المراحل وبين آمصاو ومحل المرسى الذي أريد فتحه مرحلتان وبثلاث عشرة ساعة ميقاتية مقدرتان فأتوا بشرفائهم وفقهائهم ومرابطيهم وأعيانهم وأشياخهم المالكين لقيادهم فقوبلوا بما قوبل به أمثالهم وناسب أن يتصف به حالهم ثم ولينا عليهم عدة من العمال جعلناهم بحول الله عدة في تلك الأعمال وحينئذ وقع الكلام معهم في شأن المرسى فامتثلوا ما أمرناهم به من فتحها امتثال من أضحى يتقلب في رضا الله ورسوله وأمسى ثم وجهنا معهم سرية من أعيان الجيش معتبرة ومعهم من الفقهاء والمهندسين من يعتد بهم في رسم تلك المرسى وتخطيطها على نهج القواعد المقررة والأعمال المحررة اقتضى المقام والحال تسبيقها رفقا بعباد الله واعتبارا بأن الله سبحانه قد قضى الغرض ووهبه وأسداه وما تشاؤون إلا أن يشاء الله قل إن الفضل بيد الله وما بكم من نعمة فمن الله ثم أقمنا في المحل المذكور لانتظارهم في تشييد منارهم فإن انقلبوا بالمقصود فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإن لم يشفوا الغليل شددنا بحول الله لذلك المرسى عزمات الرحيل وقطعنا تلك المفازات هذا وقد نصبنا قائدا من قواد جيشنا السعيد مختارا من ذوي الرأي السديد وأقمناه بقصبة تيزنيت محل المخزن في القديم بقصد أن يكون إعانة لسائر عمال القطر السوسي من وادي والغاس إلى منتهى وادي نول وكليميم يتفاوضون معه فيما عسى أن يعرض لهم من المهمات ولا سيما إذا كان المخزن بعيدا عن هذه الشرفات بعد ما عرفناهم بأنا أقمناه مشرفا للتفاوض معه وبصيرة على ما قصدنا من فتح ذلك المرسى إيثارا للنعمى ودفعا للبؤسى ففرحوا بذلك فرح الظمآن الوارد والضال الواجد ووقع الإشهاد عليهم بكل ما فصلناه وأبرم عقده معهم على نحو ما رسمناه فكان ذلك تمام العمل الذي قصدناه والمورد الذي أردناه وانتحيناه والله تعالى يخلص في ذاته العمل ويجعل هذه الوجهة المباركة بفضله ومنته من الجهاد المتقبل إنه جواد كريم متفضل غني حليم والسلام في متم شعبان عام تسعة وتسعين ومائتين وألف. انتهى كتاب السلطان رحمه الله
---------------------------------------
المصدر : كتاب الاستقصا لأحمد بن خالد الناصري
تقديم : محمد زلماضي
----------------------------------------

رجــوع------------------------------------

* * *

***